هل بياناتك جزء من أكبر عملية تجسس في العالم؟

0

في صيف عام 2013، اهتزّ العالم الرقمي على وقع تسريب غير مسبوق. شاب يُدعى إدوارد سنودن، كان يعمل متعاقدًا مع وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA)، قرر كشف المستور. الوثائق التي قدّمها لم تكن تخمينات أو نظريات مؤامرة، بل كانت أدلة قاطعة على وجود مشروع أمريكي سري يُدعى PRISM وهو أكبر عملية تجسس في العالم، يتجسس على ملايين المستخدمين حول العالم، دون علمهم، ودون إذنهم.

مشروع PRISM: أكبر عملية تجسس في العالم

مشروع بريزوم لم يكن برنامجًا لمراقبة “الإرهابيين” أو “المجرمين” فقط كما ادّعت السلطات. بل كان نظامًا شاملاً لجمع البيانات الرقمية من كبرى شركات التكنولوجيا في العالم، مثل Google وMicrosoft وApple وFacebook وYahoo. بموجب ترتيبات قانونية (وغالبًا غامضة)، كانت هذه الشركات تسلّم معلومات مستخدميها للوكالة بشكل مباشر أو من خلال “أبواب خلفية” فُتحت خصيصًا لهذا الغرض.

ماذا يعرفون عنك؟ أكثر مما تتوقع

البيانات التي كان يجمعها البرنامج لا تقتصر على العناوين وأوقات الدخول أو “الميتاداتا”، بل تشمل محتوى الرسائل الإلكترونية بالكامل، والمكالمات المصورة، والملفات المخزّنة على خدمات السحابة، وسجلات التصفح، والدردشات، وجهات الاتصال، وحتى بيانات الموقع الجغرافي. أي شيء تقوم به على الإنترنت – من رسالة لصديق إلى صورة في Google Drive – قد يكون جزءًا من ملف ضخم باسمك داخل خوادم NSA.

هل العرب مستهدفون أيضًا؟

ورغم أن الوكالة زعمت أن التركيز كان على “أهداف أجنبية”، فإن الحقيقة أوضحت أن الحدود كانت ضبابية للغاية. ملايين من غير الأمريكيين، ومن بينهم عرب، وقعوا تحت طائلة هذه الرقابة من دون أن تكون لهم أي علاقة بتهديد أمني مباشر. الأمر لا يتطلب أكثر من استخدامك لخدمة بريد إلكتروني أمريكية، أو تواصلك مع شخص يعيش في أمريكا، أو حتى مجرد تحميلك لتطبيق على هاتفك مرتبط بشركة أمريكية.

قانوني؟ نعم. أخلاقي؟ قطعًا لا.

قانونيًا، كانت الحكومة الأمريكية تستند إلى تشريعات مثل “FISA” التي تتيح المراقبة دون إذن قضائي تقليدي إذا كان الهدف “أجنبيًا”. لكن هذا الاستخدام الفضفاض للقانون، وانعدام الشفافية مع المستخدمين، أشعل موجة من الغضب حول العالم. منظمات حقوق الإنسان اعتبرت المشروع أكبر انتهاك للخصوصية في التاريخ الرقمي، فيما ساد شعور بالخيانة لدى كثير من المستخدمين الذين كانوا يثقون بأن بياناتهم في أيدٍ أمينة.

الخصوصية بعد PRISM: هل انتهى الزمن الآمن؟

ورغم أن تسريبات سنودن دفعت بعض الشركات إلى إصلاحات – مثل تبنّي التشفير التام بين الطرفين (end-to-end encryption) وإصدار تقارير شفافية – فإن الواقع لم يتغير جذريًا. فالهياكل التي تجعل المراقبة ممكنة ما تزال قائمة، بل وتطورت لتصبح أكثر تعقيدًا. المراقبة الرقمية لم تعد مجرد إجراء استثنائي في مواجهة التهديدات، بل أصبحت “الوضع الطبيعي” في عالم تُحركه البيانات.

كيف نحمي أنفسنا؟ وما الذي يمكن تغييره؟

هذا يطرح سؤالًا وجوديًا: هل انتهت الخصوصية؟ وهل ما زال من الممكن استعادة السيطرة على بياناتنا؟
الإجابة ليست سهلة، لكنها ممكنة. هناك خطوات يمكن للفرد اتخاذها: استخدام أدوات مفتوحة المصدر مثل Signal وProtonMail، الابتعاد عن المنصات المركزية قدر الإمكان، تقليل الأثر الرقمي، وتعلّم مبادئ الأمن السيبراني الشخصي. ولكن هذه حلول مؤقتة، وليست كافية بمفردها.

السيادة الرقمية: الخيار الوحيد للنجاة

الحل الجذري يكمن في السيادة الرقمية. أن نبني أنظمة عربية محلية، نُخزّن بها بياناتنا، ونُشرّع لحمايتها، ونُديرها بمنطق يخدم المواطن، لا يخترقه. مشروع “PRISM” لم يكشف فقط عن فضيحة، بل أطلق جرس إنذار عالمي. وهو جرس لا يجب أن يُتجاهل، خاصة في منطقتنا، حيث ما زلنا نعتمد بالكامل تقريبًا على بنى تحتية أجنبية لم نُصممها، ولا نملك التحكم فيها.

ربما يكون الوقت قد حان لبناء بدائل تحترم هويتنا… وتحمينا من أن نكون أهدافًا صامتة في أكبر شبكة تجسس عرفها التاريخ.

وقت القراءة: 3 دقائق
مقالات متعلقة
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *